يعد موسم “سيدي أحمد أوموسى”، الذي انطلق بداية الأسبوع الجاري بمنطقة تازروالت بجهة سوس ماسة ويستمر لأيام معدودة، واحدا من أشهر المواعد الدينية والاقتصادية بالجهة التي تستقطب أعدادا مهمة من الزوار داخل وخارج مجال سوس. ويلقى هذا الموسم، الذي يحمل اسم واحد من أشهر شيوخ التصوف في المنطقة، اهتماما ليس فقط من لدن المواطنين؛ بل أيضا من لدن السلطات وعلى أعلى المستويات.
وأكد مهتمون أن هذا الموسم أو “ألموكار” باللغة الأمازيغية يلعب أدوارا دينية واجتماعية واقتصادية مهمة في المنطقة، تجعل منه حاملا للمعايير والقيم الاجتماعية التي تميز المجتمع الأمازيغي السوسي وحاضنة لتمتلاثه حول الدين والدنيا، ومحافظة أيضا على استقراره الروحي في وجه هزات التطرف؛ وهو ما حول المواسم الدينية عموما في سوس إلى وسيلة من وسائل التنشئة الاجتماعية والتربية الروحية وكذا التنمية الاقتصادية، بغض النظر عن الانتقادات التي تتعرض لها من حين إلى آخر.
في هذا الإطار، قال محمد توفيق، طالب بالمدرسة العتيقة لسيدي أحمد أوموسى بتازروالت، إن “الموسم يستمر لمدة خمسة أيام كاملة تتخللها جلسات للوعظ والإرشاد يشرف عليها فقهاء متمكنون من العلوم الشرعية، ويختتم بدعاء جماعي في اليوم الأخير”.
وأضاف المتحدث ذاته، ضمن تصريح لهسبريس، أن “أحد هذه الأيام يعرف حضور الحاجب الملكي، الذي يشرف على تقديم هبة ملكية لضريح سيدي حماد أوموسى؛ يوجه جزء منها لفائدة المعوزين والفقراء، والجزء الآخر يوضع في صندوق الضريح”.
وأوضح الطالب بالمدرسة العتيقة لسيدي أحمد أوموسى بتازروالت أن “الموسم يعد قبلة للفقهاء والوعاظ وطلبة المدارس العتيقة من مختلف مناطق المغرب، كما تحضره شخصيات صوفية من مجموعة من الدول”، مسجلا أن “الأمر يتعلق بمناسبة اقتصادية ودينية تساهم في الحفاظ على التماسك الاجتماعي وفي زرع التعاليم السمحة للدين الإسلامي في نفوس الشباب؛ وبالتالي محاربة الأفكار المتطرفة، وليس موسما شركيا مثلما يدعي البعض، بل يمثل عاملا من عوامل الحفاظ على الاستقرار الروحي للمجتمع المحلي”.
ممر تجاري وغياب فهم
تفاعلا مع الموضوع ذاته، أوضح الحسين العمري، باحث في السوسيولوجيا والأنثربولوجيا، أن “المعروف أن مجال سوس يضم مجموعة من الزوايا الصوفية التي تحتضن مواسم دينية لها صيت كبير داخل المغرب؛ غير أن ما يميز هذا الموسم هو ارتباطه بالشيخ سيدي أحمد أوموسى باعتباره رجلا متصوفا وقطبا من أقطاب التصوف والطريقة الشاذلية الجزولية بالمملكة وحظي وما زال بالاحترام والتوقير لعلمه وتفقهه في أمور الدين”.
وأضاف العمري أن “موسم تازروالت كان في فترات سابقة ممرا للقوافل التجارية التي تأتي من إفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب ومنه إلى أوروبا”، مشيرا إلى أن “هذا الموسم كان أيضا مناسبة لبيع الإماء زمن العبودية تحت شجرة أركان معروفة في المنطقة، إذ ما زالت هذه الفترة تحضر في القاموس الجمعي والذاكرة المحلية للسواسة كأن يقول لك أحدهم: “أتظن أنك أتيت بي من تحت شجرة سيدي حماد أوموسى”، في إشارة إلى رفضه أن تتعامل معه بمنطق الاستعباد”.
وسجل الأستاذ الباحث ذاته متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “المواسم الدينية في سوس ساهمت في تكوين الفرد والمجتمع، وفي الحفاظ على نمط من التدين قوامه الوسطية والاعتدال وعلى حضور العقيدة الإسلامية في وجدان السكان، على الرغم من الانتقادات التي قد توجه إلى هذه المواسم”.
وتابع بأن “هذه الانتقادات مردها إلى غياب نوع من الفهم والوعي بطبيعة أدوار هذه المواسم التي تتجاوز الأدوار الدينية والثقافية إلى أدوار ذات طبيعة اقتصادية تتمثل في كونها مراكز تجارية كبرى للترويج للمنتجات المحلية وخلق دينامية اقتصادية في المنطقة وكذا تعزيز الروابط الاجتماعية بين القبائل والعائلات والحفاظ على القيم المشتركة، على غرار قيم التسامح والتعاون”.
ملتقى الروايس وظواهر لا أخلاقية
قال محمد بنيدير، باحث في التاريخ، إن “موسم تازروالت كان في السابق فرصة لتجارة الرقيق وبيع وشراء العبيد، حيث إن هذه الممارسات كانت حاضرة وحتى وقت ليس بالبعيد داخل المجتمع”، مضيفا أنه “كان أيضا فرصة للقاء بين العزاب من أجل الزواج، وملتقى للفنانين والروايس الذين يعتبرون الشيخ سيدي أحمد أوموسى هو شيخهم الروحي؛ فيأتون للتبرك به”، مسجلا أن “الموسم ما زال يعرف توافد عدد كبير من الفنانين الذين يعمدون إلى نصب خيام لتقديم عروضهم الموسيقية للجمهور بالمقابل”.
وأشار بنيدير إلى أن “التطور الذي عرفه هذا الموسم ساهم بشكل أو بآخر في بروز مجموعة من الظواهر التي يعتبر المجتمع الجهر بها عملا غير أخلاقي؛ غير أن ذلك لا ينفي دوره الديني، حيث يأتي إليه الناس طلبا للفتاوى في أمور دينهم ودنياهم من هذا الفقيه أو ذاك، إضافة إلى دوره الاقتصادي المهم في إنعاش الدورة الاقتصادية المحلية وخلق حركة رواج تجاري بالمنطقة”.
في هذا السياق، سجل المتحدث ذاته أن “تزامنه مع انطلاق الموسم الفلاحي يشكل فرصة للتجار لعرض منتجاتهم المتعلقة بالقطاع الزراعي”، مشددا في الوقت ذاته على “أهمية التفكير جديا في تحويل هذا الموسم، الذي صمد طويلا، إلى رافعة من روافع التنمية في المنطقة التي تعيش الهشاشة والعمل على مسايرة لمتطلبات العصر بما يخدم الأهداف التنموية”.
إيجابيات كثيرة واستثناء
وفي معرض حديثه عن الانتقادات التي تطال موسم سيدي حماد أوموسى كغيره من المواسم الدينية في سوس كونها “مواسم شركية”، أوضح مصدر مسؤول بأحد المجالس العلمية بالمنطقة أن “المجتمع السوسي مجتمع يوحد الله تعالى، ولا يمكن أن يتم اتهامه بالشرك أو ما شابه ذلك من الاتهامات التي تنم عن غياب الوعي بدور هذه المؤسسات في المجتمع”.
وأضاف المصدر، الذي تحدث لهسبريس، أن “الفقهاء والعلماء يستغلون مثل هذه المواسم لإلقاء دروس دينية على مسامع الزوار الحاضرين؛ فيشرحون لهم دينهم وينفرونهم من المعاصي ويحثونهم على الالتزام بالفرائض والسنن”، مشيرا إلى “وجود جانب اجتماعي وإنساني أيضا في هذه المواسم، إذ تعد فرصة لصلة الأرحام واللقاء بين العائلات والتواصل بين الناس دون أن ننسى حركة التجارة التي تنتعش خلالها”.
وتابع: “هناك إيجابيات كثيرة لا يمكن إغفالها في هذه المواسم، وهناك أمور سلبية جد قليلة وتعد استثناء وليس قاعدة، قد تحدث نتيجة سوء فهم الدين لدى بعض العامة من الناس، خاصة الأميين منهم والتي تهم الجانب العقائدي؛ إلا أنها لا يمكن أن تدفعنا إلى محاربة هذه المناسبات”.
في المقابل، انتقد المصدر ذاته العروض الموسيقية الليلية التي يشهدها موسم سيدي حماد أوموسى، معتبرا أن “المعنيين بالأمر، وعلى رأسهم الفقهاء والوعاظ، يجب عليهم محاربة كل الممارسات غير الشرعية؛ لأن دورهم هو تحذير الناس من إتيان هذه الممارسة المخالفة لشرع الله عز وجل”.