سنة بالتمام والكمال مرت على التجربة المغربية الأولى في مجال الطرق السيارة للمياه أو الربط بين الأحواض المائية، بعدما تم إنشاء طريق سيار يربط بين حوض سبو وسد سيدي محمد بن عبد الله، يبلغ طوله 67 كيلومترا تقريبا، مما مكّن من تفادي عطش الساكنة المعتمدة على مياه السد ذاته من خلال توفير 380 مليون متر مكعب من المياه التي كانت في الأساس تعرف طريقها نحو البحر.
هذا الطريق السيار المائي اشتغل منذ شهر شتنبر من السنة الماضية على تزويد سد سيدي محمد بن عبد الله بحوالي 15 مترا مكعبا في الثانية الواحدة، اعتمادا على قنوات فولاذية قطرها 3,2 متر، ويمكن أن يبلغ ما يقوم بتحويله من مياه ما بين 300 و400 مليون متر مكعب، وفقا لإفادة عبد العزيز الزروالي، مدير البحث والتخطيط المائي بوزارة التجهيز والماء، نقلا عن وكالة المغرب العربي للأنباء.
ويسعى المغرب إلى ضمان وصول المياه إلى مختلف المناطق التي صارت تعرف نقصا حادا في هذه المادة الحيوية بفعل توالي سنوات الجفاف عبر تطبيق المحاور الكبرى للبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي، الذي انطلق العمل به منذ سنة 2020 ويستمر إلى غاية 2027، بعدما رصدت له ميزانية تبلغ 143 مليار درهم، مما أحال على استراتيجية الربط بين الأحواض كإحدى الطرق المهمة لمواجهة العطش.
تأكيدٌ ملكي
تحدث الملك محمد السادس عن هذا الموضوع مجددا ضمن خطاب عيد العرش الأخير، إذ دعا إلى “تسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية: من حوض واد لاو واللوكوس إلى حوض أم الربيع، مرورا بأحواض سبو وأبي رقراق، بما سيمكن من الاستفادة من مليار متر مكعب من المياه التي كانت تضيع في البحر وبما يتيح توزيعا مجاليا متوازنا للموارد المائية الوطنية”.
أمام هذه الدعوة الملكية الصريحة التي جاءت ضمن خطاب خُصص أساسا للحديث عن الصعوبات التي تواجه المغرب في مجال توفير المياه، تحتاج أحواضٌ بالمملكة اليوم إلى كميات مهمة من الماء، بما فيها حوض أم الربيع الذي لم يعد يتوفر إلا على حوالي 219 مليون متر مكعب فقط مقارنة بـ 4959 مليون متر مكعب في الأوقات العادية فيما سبق.
فهل يواصل المغرب مسلسل الربط بين الأحواض حاليا أم يركز على عملية تحلية مياه البحر؟ سؤال يُطرح عادة عن إمكانية شروع المغرب في ربط أحواض بعينها بطرق سيارة مائية على الرغم من شح الاحتياطات المائية التي تتوفر عليها هذه الأحواض، مما يمثل تحديا يمكن أن يؤثر على هذه الاستراتيجية ويدفع البلاد إلى التركيز على تحلية مياه البحر حصرا.
خطة صائبة
متفاعلا مع الموضوع، قال عبد السلام الراوضي، اختصاصي في البنيات التحتية الهيدرولوجية، إن “المنطقة الشمالية في نهاية المطاف هي التي صارت تحوز نسبة معينة من الاحتياطات المائية، حيث إن الحوض الأكثر توفرا على المياه اليوم هو حوض سبو، بمعنى أن الخطوة التي قام بها المغرب خلال السنة الماضية عبر إقامته لطريق سيار مائي صوب سد سيدي محمد بن عبد الله مكن من منع تسرب حوالي 500 مليون متر مكعب من المياه إلى البحر، كانت خطوة صائبة”.
وأوضح الراوضي، في تصريح لهسبريس، أن “الرّبط في نهاية المطاف مهم جدا؛ لكونه يساهم في محاربة العطش بعدد من المناطق المحيطة بأحواض مائية لم تعد تتوفر على احتياطات مائية بفعل توالي سنوات الجفاف، مما يدفعنا دائما إلى التشبث بها إلى جانب خطة تحلية مياه البحر بدرجة أولى”، مشيرا إلى أن “الربط بين الأحواض بالمملكة يبقى مبادرة مهمة من أجل توفير المياه بمختلف الأحواض المائية بالمملكة، على الرغم من أننا تأخرنا في اعتماد هذه التقنية”.
وزاد:” ونحن نؤكد أهمية هذه التجربة وحاجة أحواض إليها، نشير إلى أنها ترتبط أساسا ودائما بهطول أو عدم هطول الأمطار، إذ يمكننا فجأة الاستغناء عنها، غير أنها تظل من تقنيات توفير المياه في مثل هذه الظروف الصعبة والاستثنائية”.
طريقة مهمة لكن
في الاتجاه نفسه تقريبا سار تدخُّلُ عبد الرحيم هندوف، مهندس خبير في السياسات المائية، الذي لفت بداية إلى أن “الإشكالية التي تواجه الاستمرار في الربط بين الأحواض المائية بالمغرب، هي أن حوض سبو وحوض اللوكوس هما فقط الحوضان اللذان صارا يتمتعان باحتياطات نسبية من المياه بعدما جفّت بشكل كبير مياه بعض الأحواض الأخرى”.
من هذا المنطلق، أورد هندوف، في تصريح لهسبريس، أن “الربط بين حوض سبو وسد سيدي محمد بن عبد الله كان ذا فعالية بعدما مكن من تجنيب الرباط وسلا أزمة عطش تاريخية، إذ كان خيارا موفقا بدل انتظار إنشاء محطة لتحلية مياه البحر بالمنطقة، وهو ما كان سيتطلب أزيد من سنة على الرغم من استعجالية التدخل وقتها”.
وتابع: “هناك تساؤلات اليوم عن استدامة مياه حوضيْ سبو واللوكوس خلال السنوات المقبلة إذا ما استمرت الحالة المناخية على حالها، وهو ما يستوجب التريث قبل برمجة أي طرق سيارة جديد للمياه، على الرغم من أن أحواضا وصلت إلى مراحل صعبة، خصوصا حوض أم الربيع الذي تراجعت كمية مياه السدود المحاذية له، كسد المسيرة وسد بين الويدان اللذين يساهمان أساسا في دعم الفلاحة بدكالة”.
المهندس الزراعي ذاته أشار إلى أن “الأولوية في نهاية المطاف يجب أن تحظى بها عمليات إنشاء وتشغيل محطات تحلية مياه البحر، باعتبارها حلا أكثر استمرارية واستدامة، إذ إن تراجع منسوب الأمطار يهدد أحواضا بالجفاف، وبالتالي توقف دور الطرق السيارة للمياه الذي يتضح خلال مرحلة وجود تساقطات مطرية مهمة”.