تحسّنت الوضعية المائية لمعظم الأحواض المائية الواقعة في الجهات والأقاليم التي همّتْها التساقطات المطرية الأخيرة، التي استمرت يوميْ الأربعاء والخميس من هذا الأسبوع، على شكل “زخات رعدية قوية”، وهو ما أسهم ولو “نسبياً” ليس فقط في إنعاش الفرشة المائية، بل في رفع حقينة السدود التي تنفست الصعداء بعد “صيف قاس”.
تكشف المعطيات الرسمية التي استقرأتْها جريدة هسبريس الإلكترونية، المحيّنة رسمياً إلى غاية اليوم الخميس 29 غشت الجاري، عن انتعاش “نسبي وطفيف” في الوضعية المائية لملء السدود بالمغرب بحقينة إجمالية وطنية فاقتْ أربعة مليارات و445,3 مليون متر مكعب، حسب بوابة “مغرب السدود” التابعة للمديرية العامة لهندسة المياه بوزارة التجهيز والماء حول الوضعية اليومية للسدود بالمملكة.
أحواض تنتعش
على مستوى انعكاس التساقطات المسجلة على نسب الملء في حقينة السدود حسب الأحواض المائية، يستمر حوض اللوكوس في التصدّر بنسبة ملء بـ52,21 في المائة، متبوعاً بحوض سبو بنسبة 43.72 في المائة، الذي يقارب نسبة ملء سدود حوض تانسيفت 43.02 في المائة.
حوض زيز كير غريس، الواقع على تراب مناطق تافيلالت وأقاليم الجنوب الشرقي التي استفادت من الزخات المطرية الرعدية، انتعش ليستقر عند 25.33 في المائة، وفق المعطيات الرسمية التي سجلت أيضا انتعاش حوض درعة واد نون الذي بلغت نسبة ملئه 15.51 في المائة، إضافة إلى حوض سوس ماسة بنسبة 11.53 في المائة.
الأحواض المائية الأخرى المنتشرة في باقي جهات المملكة عرفت شبه “استقرار”، حسب ما تابعته هسبريس ضمن منحنيات تطورها. وهكذا تحسن حوض أبي رقراق من بداية الأسبوع الجاري لينتقل من نسبة ملء 24.20 في المائة إلى 32 في المائة، مقابل استقرار نسبة حوض ملوية في 22 في المائة، أما حوض أم الربيع فمازال عند أدنى مستويات ملء أحواض المغرب بنسبة لا تتجاوز 5 في المائة.
“انعكاس إيجابي عام”
محمد بازة، خبير دولي في الموارد المائية، سار في اتجاه “تأكيد فكرة الانعكاس الإيجابي للأمطار الرعدية، رغم سيولها الجارفة”، مؤكدا أن من خاصياتها أنها “أمطار قوية بحمولة كبيرة نسبياً من المياه خلال مُدد زمنية قصيرة”، مشيرا إلى “عاملين مهمّيْن يتحكمان في ذلك: الكمية والمدة. وكلما كانت تساقطات مطرية في مدة قصيرة، ترتفع الحمولة بشكل ينفع الفرشات المائية”.
ولفت بازة، في تصريح لهسبريس، إلى أن “التساقطات الأخيرة شملت مناطق مهمة بالأطلس وكذا الجنوب الشرقي بمتوسط بين 30 و40 مليمترا، ما سيرفع بكل تأكيد حقينات سدود حوضيْ سبو وزيز غريس”.
وبعدما نبه الخبير المائي إلى أن التساقطات المطرية في هذه الفترة قد تكون مفيدة جدا للنباتات والأشجار والمواشي، أكد أنها “قد تؤدي إلى تضرر بعض محاصيل الأشجار المثمرة (التفاح والزيتون مثلا) بفعل حبات البَرَد في حال سقوطها”.
“عموما، هذه الأمطار ذات فائدة كبيرة، خصوصا في المناطق التي كانت تعاني طيلة السنين الأخيرة من تفاقم الإجهاد المائي وكذا من نقص حاد في مخزون واحتياطي المياه”، يقول بازة، مستحضراً ما شهدته مناطق الجنوب الشرقي أساسا من تضرر كبير لأشجار النخيل وأنواع أخرى من الجفاف.
وتابع شارحاً: “هذه الأمطار لم تقتصر فائدتها على النباتات فحسب، بل شملت أيضا مختلف مناحي الحياة البرية وتغذية الفرشة المائية، خاصة على طول الوديان التي شهدت تدفّقات مائية كبيرة وحمولات مائية جد هامة في وقت جد وجيز”.
وختم بازة بالإشارة إلى إيجابيات أخرى للأمطار الأخيرة تتمثل في مساهمتها في تنقية الهواء من التربة، فضلا عن غسل الطرقات والأشجار، وخفض درجات الحرارة التي التهبت صيفاً، إضافة إلى رفع منسوب المياه في عدد من السدود التي وصلتها حمولات الوديان”.
“منافعُها تتجاوز أضرارها”
في الاتجاه ذاته شار عبد الرحيم هندوف، مهندس خبير في الشأن المائي والفلاحي، متفقا مع الطرح الذي ساقه بازة، مسجلا أنه “من المعلوم أن للأمطار الرعدية، خاصة نهاية فصل الصيف، بعض الأضرار الجانبية، غير أنه بصفة عامة فالإيجابيات أكثر من السلبيات”.
وعدّد هندوف، متحدثا إلى هسبريس، مجموعة إيجابيات قال إن أكبرَها يتمثل في “رفع المخزون المائي بمنشآت السدود، وكذا تغذية مجاري المياه بالوديان والبحيرات أو الواحات”، مستحضرا أيضا نقطة “انتعاش الفرشات المائية (امتلاء مخزون مياه الآبار التي كانت قد نضبت في وقت سابق مثلا).
وحسب الخبير المائي ذاته، فإن “الغطاء النباتي بالغابات أو المناطق المحيطة بها مستفيد أيضا من هذه التساقطات المرتقب أن تستمر حتى الأسبوع الأول من شتنبر”، لافتاً إلى دورها في إنعاش وتروية الأشجار الغابوية مع توفير الكلأ للماشية، إضافة إلى الحد من الحرائق التي قد تستعر في بعض واحات الجنوب الشرقي”.
وسجل هندوف أن “نقطة غلبة إيجابيات التساقطات المطرية على أضرارها تظل محلّ إجماع وتوافق بين معظم الخبراء والباحثين في منظومات المناخ والماء والفلاحة”، متوقعاً “آثاراً إيجابية أكثر إذا استمرت بهذا الشكل خلال أسابيع قادمة”.
وبلغة الأرقام، أبرز المصرح لهسبريس فضل التساقطات الأخيرة في تعزيز حقينات السدود، سواء الموجهة للماء الشروب أو للسقي الفلاحي، قائلا: “تم تسجيل 28 مليون متر مكعب في سدود الحوض المائي زيز غريس بالجنوب الشرقي، ولوحدِه سجّل سد أحمد المنصور الذهبي ( إقليم ورزازات) واردات مائية جديدة بـ 7 ملايين متر مكعب، أما سد بين الويدان الواقع بين سلاسل الأطلس المتوسط والكبير فسجل زيادة في حقينته بـ 10 ملايين متر مكعب”.
وبذلك “ارتفعت الواردات المائية بـ 45 مليون متر مكعب على مستوى أحواض زيز غريس ودرعة، مع احتساب منطقة سد بين الويدان”، يقول هندوف، مؤكدا أن “كل 36 مليون متر مكعب بإمكانها تلبية حاجيات مليون نسمة من الماء الشروب طيلة سنة كاملة”.