تواجه مدينة ورزازات، المعروفة بلقب “هوليود إفريقيا”، تحديا كبيرا في القطاع السياحي نتيجة الارتفاع المتزايد في أسعار الخدمات بالفنادق والمطاعم والمقاهي، مما يهدد بتقليص جاذبية المدينة ويستدعي تدخلا عاجلا من الجهات المعنية.

تاريخيا، اكتسبت ورزازات شهرتها كوجهة سياحية مميزة منذ خمسينات القرن الماضي حين بدأت استوديوهات السينما العالمية في استخدام مناظرها الخلابة كخلفية لأفلامها الشهيرة؛ هذا الاهتمام السينمائي، إلى جانب ثراء المدينة بالمعالم التاريخية مثل قصبة تاوريرت، ساهم في تعزيز مكانتها كوجهة سياحية رئيسية في المغرب.

وتمثل السياحة أحد المصادر الرئيسية لعجلة الاقتصاد في ورزازات، إذ يزور المدينة آلاف السياح سنويا للاستمتاع بجمال مناظرها الطبيعية وثقافتها الغنية. ووفقا لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، استقبلت “هوليوود إفريقيا” ما يقارب 400 ألف سائح في عام 2019، وساهمت بحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. لكن، مع ارتفاع الأسعار، بدأت بعض العائلات السياحية في إعادة النظر في وجهاتها، مما قد يؤدي إلى تراجع عدد الزوار في المستقبل.

وأعرب العديد من الزوار الذين اختاروا ورزازات وجهة سياحية عن استيائهم من الأسعار المتزايدة. وفي هذا السياق، قالت سيدة قادمة من الدار البيضاء تدعى أميمة: “لقد زرت ورزازات مرات عدة، لكن الأسعار هنا أصبحت غير معقولة، كنت أتوقع تجربة سياحية ممتعة بأسعار مقبولة، لكنني شعرت بخيبة أمل كبيرة”.

وأضافت أميمة في تصريح لهسبريس: “لا يقبل العقل الأثمنة الخيالية التي يطلبها بعض أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي. يفرضون أسعارا خيالية أكثر مما تتصور”، وأعطت المثال بقنينة الماء التي تباع بـ 14 إلى 20 درهما، مؤكدة أن السياحة مهددة بالركود في هذه المدينة، وأن “السفر إلى دول أوروبية أفضل مئة مرة من زيارة ورزازات أو مدينة مغربية أخرى بسبب الأثمان الخيالية”.

وفي مقارنة مع مدن سياحية أخرى، تبين أن متوسط سعر الغرفة الفندقية في ورزازات قد ارتفع بنسبة 30% خلال العامين الماضيين، متجاوزا معدلات الزيادة في مدن مثل مراكش وأكادير. هذا الارتفاع الحاد في الأسعار يضع ورزازات في موقف تنافسي صعب مقارنة بالوجهات السياحية الأخرى في المنطقة.

من جانبهم، يبرر بعض أصحاب الفنادق والمطاعم الزيادة في الأسعار، إذ يقول محمد العلوي، صاحب فندق في وسط المدينة: “نواجه ارتفاعا في تكاليف التشغيل، خاصة في أسعار الطاقة والمواد الغذائية، كما أن الاستثمارات في تحسين جودة الخدمات تتطلب موارد إضافية، نحن نحاول الموازنة بين الحفاظ على جودة خدماتنا وتقديم أسعار معقولة”.

ومن أجل محاربة هذه الظواهر التي تسيء إلى صورة ورزازات، طالب عبد الرحمان زغاري، فاعل جمعوي بمدينة ورزازات، بتفعيل الرقابة، من خلال قيام اللجنة الإقليمية بتعزيز آليات الرقابة على الأسعار في الفنادق والمطاعم والمقاهي، وتنظيم حملات توعية لأصحاب المشاريع حول أهمية الحفاظ على الأسعار المعقولة لجذب السياح.

وقال زغاري، في تصريح لهسبريس، إن ارتفاع أسعار الخدمات بالفنادق والمطاعم والمقاهي في ورزازات “يمثل تحديا كبيرا يتطلب تضافر الجهود بين جميع المعنيين”، وأكد أنه “من الضروري أن تعمل اللجنة الإقليمية لمراقبة الجودة والأسعار على اتخاذ خطوات فعالة لضمان استمرارية الرواج السياحي، مما سيعود بالنفع على المدينة وسكانها”.

وفي سياق الآثار الاجتماعية لهذه الظاهرة، أشار حسن أمزيان، باحث في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، إلى أن “ارتفاع الأسعار لا يؤثر فقط على السياح، بل يمتد تأثيره إلى السكان المحليين أيضا، فالعديد من الأسر في ورزازات تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على قطاع السياحة، حيث إن تراجع عدد الزوار سيؤدي حتما إلى انخفاض في فرص العمل وتدهور في مستوى المعيشة لكثيرين”.

للتصدي لهذه الأزمة، اقترح خبراء في مجال السياحة والاقتصاد حلولا عدة، منها على سبيل المثال، “ضرورة تدخل الحكومة من خلال تقديم حوافز ضريبية للمؤسسات السياحية التي تلتزم بسياسة تسعير عادلة”، و”إنشاء صندوق لدعم تطوير البنية التحتية السياحية”، مما سيساعد في تخفيف الضغط على أصحاب الأعمال ويمنع ارتفاع الأسعار بشكل مفرط.

وذكر مصدر مسؤول مهتم بالسياحة بورزازات أيضا “ضرورة تنويع العرض السياحي في ورزازات، فبالإضافة إلى السياحة الثقافية والسينمائية، يمكن تطوير أنماط جديدة مثل السياحة البيئية وسياحة المغامرات، مما سيجذب شرائح جديدة من السياح ويخلق فرص عمل إضافية”.

وكشف عدد من المهتمين أن مدينة ورزازات تقف اليوم على مفترق طرق، فإما أن تتخذ إجراءات حاسمة لضبط الأسعار وتحسين جودة الخدمات السياحية، وبالتالي الحفاظ على مكانتها كوجهة سياحية رائدة، أو أن تخاطر بفقدان بريقها السياحي وتحول السياح عنها إلى وجهات أخرى أكثر جاذبية وبأسعار معقولة، موضحين أن مستقبل “هوليوود إفريقيا” يعتمد الآن على قدرة جميع الأطراف المعنية على العمل معا لإيجاد حلول مستدامة تضمن استمرار ازدهار القطاع السياحي في المدينة.



Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *